حتى تكون «الخطبةُ» أعظم أثراً - 31 أغسطس 2016
2021-10-14 579
خطبة الجمعةِ هي «الحديثُ» الوحيد الذي يجبُ على المسلم وجوبًا أن يستمع إليه، ولا ينشغل عنه بشيء، إلى درجةِ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى المسلم حتى عن تسكيتِ المصلي الذي بجواره بحرفين: «صه»!
هذا الواقع بقدر ما يتيح للخطباءِ فرصة عظيمةً، هو كذلك يُحمِّلهم مسؤولية عظيمة، فهؤلاء الذي جاؤوا مأمورين بالإصغاء، متعبّدين بالاستماعِ إليهم يجبُ أن يكون لهم من عنايةِ الخطيب واهتمامه ما يجعل لإنصاتهم هذا قيمةً دينيةً وتربوية وتعليمية تنعكس على حياتهم.
وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مذكراته أنَّ وفدًا من العلماء زار رجلًا من كبار أولي الأمر يشكو إليه فساد الأخلاق، وانتشار المعاصي، وهذه المنكرات البادية، فقال لهم: «أنا أعجب من أمركم؛ عندكم هذه المنابر التي تستطيعون أن تصلحوا بها كل فاسد، وتقوِّموا كلَّ معوجٍّ، ثم تَشْكُون إليَّ ما تجدون»؟!
ولاريب أن قيام المنابر بهذا الدور منوطٌ بقدرةِ الخطباءِ على توصيل رسالتهم، وهو واجبٌ كبيرٌ، متشعبُ الجوانب، ولكنني في هذه الكلمة المختصرة سأشير إلى جانب واحدٍ فقطٍ هو
«الإيجاز والتركيز».
حين يركزُ الخطيبُ موضوعه في قضية واضحة المعالم، ويوجزُ ما استطاع في كلماته فإنه حينئذٍ يكون أقوى تأثيرًا في السامعين، فقد كتبت جون ميدينا في موقع قوانين المخ أنَّ مدة تركيز الدماغ في أوقات المحاضرات والخطب والمقاطع المسموعة تكون في الفترة من 5 - 23 دقيقة، ويكون التركيز هرميًا، ويكون التركيز أعلى ما يكون في الفترة العمرية «18 - 25» سنة، ويقل التركيز عند الأطفال وكبار السنّ.
وقد تذكرتُ هذا المعنى حين صليتُ مع أحد أحفادي الجمعة فأطال الخطيب وشرّق وغرَّبَ حتى أملَّ، فلما قال: أقم الصلاة قال حفيدي بعفوية وفرح: YES!!
هذا المللُ الطفوليّ هو شعورٌ فطريّ ربما أحسّ به كثيرون ممن حضر، ولكنّ براءة الصغار تُظهر ما يستحيي الكبار من إظهاره!
تذكرتُ في تلك اللحظةِ خطبة الوداع لسيّدنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهي على جلالة موقفها، وشمولية مضامينها، وكونها في مقام البلاغ جاءتْ مختصرةً في كليماتٍ.
لستُ هنا بصدد تحديد «وقتٍ» أُلزم به الخطباء، وأنا أعرفُ الاحتياج أحيانًا إلى بعض التفصيل أو التوضيح، ولكنني أقول لإخواني روّاد المنابر: اجعلوا الاختصار والتركيز أصلًا، وليكن هدفكم الأول أن ينعكس حديثكم واقعًا في حياة مستمعيكم، ولن تبلغوا ذلك إلا باجتذاب قلوبهم بجميل القولِ ومختصرِهِ.